57
57
روضة الصائم

الستر من صفات المسلم

19 أبريل 2021
19 أبريل 2021

أحمد الحداد -

إن كافة المجتمعات تنشد التقدم والازدهار والنهوض؛ ولا يتحقق هذا الأمر إلا بعوامل كثيرة ومن أهمها أن يكون المجتمع يحب الستر والنقاء والطهارة، ويتسم بحسن الظن بين كافة أفراده، ويقوم على العفاف والستر، وينبذ الفواحش والمجاهرة بها.

وهذه الصفات كلها متحققة في المجتمع المسلم الذي أنشأه النبيُ- صلى الله عليه وسلم-، وكانت من أحاديثه وتوجيهاته النبوية هداية لجميع المسلمين، بل الله سبحانه وتعالى هو الِستِّير وهو يحب الستر.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة» فهذا توجيه نبوي بأن من ستر مسلم، نال ستر الله يوم القيامة؛ فهي إذن كالمعاملة بالمثل، مثلما تفعل بالآخرين، يُفعل بك ليس في يوم القيامة فحسب؛ بل في الدنيا قبل الآخرة، يقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: «من ستر عورة أخيه المسلم، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته».

فالمسلم يحب الستر على الآخرين؛ لأنه أمر يحبه الله- جلّ في علاه-، ونبيه- صلى الله عليه وسلم-، ولا يحب أن تشيع الفاحشة في المسلمين، ولا يتتبع عوراتهم ولا يكشف ستر الله عنهم، لأنه وعى وأدرك وآمن بالنصوص الربانية والأحاديث النبوية التي تأمر بالستر وتنهى عن كشف الستر وتتبع عورات الآخرين، وأن العقوبة تُعجل لمن يفعل هذه الأفعال- والعياذ بالله- في الدنيا قبل الآخرة؛ يقول الله سبحانه وتعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:19]، فهذا وعيد من الله عز وجل للذين ينشرون الآثم والفواحش بين المسلمين.

ففي هذا الموضوع لابد لنا من وقفات لاسيما مع انتشار وسائل التواصل بمختلف أنواعها اجتماعية أو تعليمية أو ثقافية أو ترفيهية؛ يتلاحظ بأنه يكثر كشف ستر الله على الناس باللمز أو الهمز أو تتبع العثرات والعورات؛ بل أنه نجد من يكشف عن نفسه ستر الله عليه، فيأتي بأمور من شأنها أن تنشر الإثم والفواحش بين أفراد المجتمع ويجاهر بها من خلال التقاط صور أو نشر مقاطع مرئية.

ويؤثر عن سفيان بن عيينة - رحمه الله- أنه قال: (لولا ستر الله- عزّ وجلّ- ما جالسنا أحدٌ)، فهذا من أعلام تابعي التابعين في عصرهم الزاهر؛ فكيف هو حال من يقوم بترويع الناس من خلال إرسال أو بث أمور تخدش في أعراض الناس أو تشيع فاحشة أو تروعهم، أو أشياء تكشف ستر الله عن الناس؛ وإن كان ذلك المنقول عنه هو من يجاهر؛ فالمسلم مطلوب منه الستر وإماتة الباطل بالسكوت عنه، وعدم تداوله، والستر على أخيه المسلم وعلى نفسه.

ومن أبلغ ما قيل من الشعر عن الستر:

إذا شئتَ أن تحيا ودينُك سالـمٌ

وحظُّك موفورٌ وعرضُك صَيِّنُ

لسانُك لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ

فعندك عَوراتٌ وللنَّاسِ ألسنُ

وعينُك إن أبدتْ إليك معايبًا

لقومٍ فقلْ: يا عينُ للنَّاسِ أعينُ

وصاحبْ بمعروفٍ وجانبْ مَن اعتدَى

وفارقْ ولكن بالتي هي أحسنُ

عليه فإنه لزامًا علينا جميعا أن نتذكر بأن الستر يكون على النفس وعلى الآخرين، وأنه سيكون الجزاء من جنس العمل في الدنيا قبل الآخرة، ولنحمد الله على هذه النعمة التي نتقلب بها في الليل والنهار، والشكر يكون بالمحافظة على النعمة، والمحافظة تكون بالتحلي والممارسة ودلالة الناس عليها وتذكيرهم بها.